إلتقاط أول صورة مباشرة على الإطلاق لثقب أسود مهول supermassive black hole 2019
في تقدم جديد مثير في العلم الفلك، العلماء أعلنوا عن إلتقاطهم أول صورة مباشرة على الإطلاق لثقب أسود مهول supermassive black hole في مبادرة دولية تسمى Event Horizon Telescope وهي عبارة مصفوفة من ثمانية تيليسكوبات راديوية (أي تصور الأشياء عن طريق موجات الراديو بدلًا من الضوء المرئي) موزعة حول الأرض.
الثقب الأسود كتلته أكبر من الشمس ب6.5 مليار مرة، ويقع في قلب المجرة العملاقة Messier 87 التي تبعد عن كوكبنا مسافة حوالي 55 مليون سنة ضوئية.
لفهم ماهية الثقوب السوداء، لابد في البداية من نبذة عن نشأة النجوم ومراحل تطورها.
=========
• ما هي النجوم؟
=========
• ما هي النجوم؟
=========
الفضاء الكوني من حولنا يعج بأبسط عنصر في الكون وأكثرهم شيوعًا، غاز الهيدروجين، غاز الهيدروجين بسيط جدًا لدرجة أن حتى أبسط صورة له (وأكثرهم شيوعًا) المسماة protium، لا تتطلب وجود نيوترونات بداخل نواة ذرته، فنواة ذرته مكتفية ببروتون واحد فقط بدون أي نيوترونات (نظائره أو صوره الأخرى غير البروتيوم، هي الdeuterium يحتوي على نيوترون واحد مع البروتون، والtritium بروتون ونيوترونين.) غاز الهيدروجين يتواجد في الفضاء على شكل سحب تسمى سُدُم كونية nebulae وعند وصول السحب لكثافة معينة حرجة تبدأ ذرات غاز الهيدروجين عملية تفاعل تسمى الإندماج النووي.
الإندماج النووي معناه أن ذرات الهيدروجين تتحد مع بعضها لتكوين عنصر الهيليوم، وحيث أن الذرات الداخلة في التفاعل كتلتها أكبر من الناتج، فرق الكتلة يتحول إلى طاقة حقــًا مذهلة جدًا (طبقــًا لمعادلة أينشتاين الشهيرة E = mc²، أو الطاقة = الكتلة مضروبة في مربع سرعة الضوء - رقم عملاق جدًا جدًا، مذهلة لدرجة انك إذا حولت حوالي 0.6 جرام من المادة إلى طاقة تحصل على قنبلة هيروشيما!) وهذه العملية في النهاية ينتج عنها النجوم، بما فيها الشمس، وهي كذلك سر قوة النجوم وتعميرها حيث يصل عمر النجوم لعشرات المليارات من السنوات، فالنجوم على الرغم من أنها تبدو ككرات من اللهب، إلا أنها أبعد ما تكون عن الإحتراقات الكيميائية التقليدية، بل مواقد أو مفاعلات نووية عملاقة. وجدير بالذكر أيضـًا أن الإندماج النووي ثاني أقوى قوة معروفة في الكون، بعد تفاعل المادة — مادة مضادة، وهو أقوى من الإنشطار النووي (الذي نتج عنه قنابل هيروشيما وناجازكاي) ب5 - 10 أضعاف على الأقل، وأقوى من أقوى التفاعلات الكيميائية التقليدية بمليارات المرات
لتوضيح الجبروت الحقيقي والقوة الغاشمة لقوة الإندماج النووي، لك فقط أن تعرف أن الطاقة التي تنبعث من الشمس في ثانية واحدة قادرة على إمداد الأرض بحاجتها من الطاقة لمدة مليون سنة! (الشمس في الثانية الواحدة تطلق طاقة تقدر ب3.8x10^26 چول، بينما إستهلاك البشر السنوي من الطاقة هو 3.9x10^20 چول. العدد الأول حوالي مليون ضعف العدد الأخير)
الچول هو وحدة قياس فيزيائية تعادل كم الطاقة المطلوب لتسخين 1 جرام من الهواء البارد الجاف بمقدار 1 درجة مئوية. عدد الچولز في الطاقة المتحررة من الشمس في ثانية واحدة (3.8x10^26 چولز) أكبر من عدد حبات الرمال على جميع شواطئ الأرض بحوالي 3800 مرة (وأكبر من عدد النجوم في الكون المرئي ب380 مرة!) قوة الشمس تستطيع صهر جسر من الجليد عرضه 3.5 كيلومتر وسُمكه 1.5 كيلومتر وإمتداده (طوله) 200 مليون كيلومتر في ثانية واحدة!
** إنشطار نواة ذرة واحدة يستطيع تحريك حبة رمل واحدة من مكانها، الأمر يبدو عاديًا حتى تعرف أن عدد الذرات بداخل حبة رملة واحدة أكبر من عدد النجوم في الكون المرئي بأكمله بأضعاف مضاعفة! ولذلك فكرة أن تحتوي ذرة واحدة على ما يكفي من القوة والطاقة أن تحرك حبة رمل أشبه، بل حتى أقوى بمراحل من أن ترمي كرة تينيس على كوكب المشتري فيطير بعنف من مكانه ويشطح في الفضاء مليارات الأميال بعيدًا عن مداره!
ولكن حيث أن الشمس تفاعلاتها تصدر طاقة، فهي بالطبع أيضـًا تفقد كتلة (تذكر أن الكتلة هي ما يتحول لطاقة) ولذلك الشمس تفقد بعض من وزنها كل ثانية واحدة، تفقد حوالي 4 مليون طن في كل ثانية أو 173 مليار طن يوميًا، ولكن الشمس شيء ضخم جدًا جدًا لدرجة أنها حتى بهذا المعدل من فقدان الكتلة، عمرها الكلي حوالي 12 مليار سنة (قضت منهم 4.5 مليار سنة بالفعل، ولازال متبقي لها 7 مليار آخرين.
في عمرها الماضي حرقت وقود أكثر من 100 ضعف كتلة كوكب الأرض، ولكن أقل من 0.05% من كتلتها) لو كانت الشمس بنفس كتلة الأرض لكانت أنتهت في غضون حوالي 50,000 سنة ولكن الشمس أثقل من الأرض بملايين المرات (أكثر من 99.9% من كتلة المجموعة الشمسية كلها في الشمس، و0.1% المتبقي للأرض وباقي الكواكب ومليارات الكويكبات الصغيرة الموجودة في المجموعة الشمسية!) والإجابة على الذي طرأ أذهاننا جميعًا هي لا.. لا يمكنك إطفاء الشمس بسكب دلو مائي كوني عليها، بل على العكس، ستزيد من قوتها وشراستها إن فعلت ذلك، لأنها لا تحترق إحتراق كيميائي تقليدي بل إحتراق نووي تستطيع فيه أن تستخدم عناصر الماء نفسها كوقود. سكب الماء على الشمس سيجعل منها أقوى بمرتين وأكثر سطوعًا ب7 أضعاف!
عودة للإندماج النووي. لإتمام عملية الإندماج النووي هناك طريقتان، الأولى هي توافر 100 مليون درجة كيلفن على الأقل (أسخن من باطن الشمس ب6 مرات) للتغلب على واحد من أبسط ولكن أعند قوانين الطبيعة أسمه حاجز كولوم على أسم العالم الفرنسي شارل-أوجوست دي كولوم، والقانون معروف لجميع الناس وهو أن الشحنات المتشابهة تتنافر والمتضادة تتجاذب، وحيث أن ذرات الهيدروجين متشابهة الشحنة، فتحتاج لهذه الحرارة المهولة لكي تعتصر الذرات متشابهة الشحنة مع بعضهم البعض وتجبرهم على الإندماج، ولذلك إن أردت تفجير قنبلة هيدروجينية، ستحتاج أولًا أن تفجر فيها قنبلة نووية إنشطارية أقوى من قنبلتي هيروشيما وناجازاكي بمراحل لمجرد فقط أن تبدأ القنبلة الأخرى التفاعل!!
الطريقة الأخرى للحصول على الإندماج النووي بنجاح، هي طريقة النجوم التي تستخدم كتلتها المفرطة وجاذبيتها الجبارة الناتجة عنها في دك أنوية الهيدروجين قسرًا مع بعضها البعض حتى إذا لم تتوافر درجات الحرارة المطلوبة. وفي الحقيقة زئير التفاعلات النووية على نجمة مثل الشمس صوته خارق لدرجة أن الفضاء الخارجي إذا كان ممتلأ بالهواء بدلًا من الفراغ (أي يسمح بإنتقال الصوت بنفس الكفاءة على الأرض) فإن صوت تلك الإنفجارات النووية الجحيمية على الشمس سيتسبب في آلام في أذنك ومعاناتك في سماع أي شيء آخر لأنه سيكون أعلى منن الوقوف بجوار محرك نفاث لطائرة Boeing 747 أثناء إقلاعها، على الرغم من أن الشمس على بعد 150 مليون كيلومتر (الضوء برغم سرعته المذهلة يستغرق 8 دقائق ونصف لقطع هذه المسافة، على الرغم من أنه يصل من القمر إلينا أو العكس في 1.3 ثانية فقط!!) الشمس طاقتها مهولة لدرجة أنها طاقتها في ثانية واحدة كافية لإمداد الأرض بحاجتها من الطاقة لمدة مليون سنة!
ولكن الشمس المهيبة على كل عظمتها وإبهاراتها هي في الحقيقة نجمة في غاية العادية أو حتى التفاهة حينما توضع في السياق الكوني كما سنرى في المرحلة القادمة!
====================
• توازن خَطِر، والطريق للثقب الأسود
====================
• توازن خَطِر، والطريق للثقب الأسود
====================
النجوم تقضي حياتها تحاول الموازنة ما بين قوتين متصارعتين ومتعاكستي المفعول، قوة جاذبيتها التي تحاول ضغطها للداخل وسحقها، تقابلها من الجهة الأخرى قوة الإندماج النووي في باطن النجمة التي تقاوم الجاذبية وتدفع النجمة للخارج أو تنفخها. ولكن الوقود النووي ليس للأبد، فبعد إستنفاذ النجم كل ما لديه وقود الهيدروجين، يبدأ بدمج ما يملك من الهيليوم إلى كربون، ثم بعدها يدمج الكربون لعناصر أثقل وهكذا (وهذا بالمناسبة هي الكيفية أو الآلية التي نشأت بها جميع العناصر في الكون، بما فيها العناصر التي تتكون أنت والحيوانات وكل الحياة على الأرض منها ولذلك يقال أن الإنسان غبار النجوم، ما عدا الهيدروجين والهيليوم اللذان وجدا مع بداية الكون) ولكن النهاية المحتومة هي أن النجمة تصل لنقطة حاسمة تفقد فيها قدرتها على الإستمرار بالقيام بالتفاعل الإندماجي وتستسلم ثم تبدأ بالإنهيار تحت وزنها العملاق ولا يتبقى منها سوى قلبها.
ما سيحدث لاحقًا بعد إنهيار النجم يعتمد على كتلة النجم نفسه قبل مصرعه وهنا يتفرع الطريق لإتجاهين:
1. النجوم المماثلة لشمسنا أو أصغر بعد موتها تترك خلفها نسخة صغيرة وغير مبهرة منها تسمى "قزم أبيض" white dwarf.
2. ولكن إذا كانت النجمة أكبر من الشمس بأضعاف (3 إلى 30 مرة مثلًا) فإنها بعد إكتمال إنسحاقها بسبب جاذبيتها تصل لمرحلة أنها تنفجر وتنثر أحشائها الملونة أنحاء السماء، والإنفجار يسمى "مستعر أعظم" - سوبرنوڤا أو هايبرنوڤا - (بحسب حجمه وقوته) وهو إنفجار صادم ورهيب لدرجة أنه في أقل من ثانية واحدة يخرج نفس كمية الطاقة التي تخرجها شمسنا في 13 مليار سنة بمئات الأضعاف (وتذكر أن الشمس قوية لدرجة طاقتها في الثانية تكفي الأرض لمليون سنة!)
السوبرنوڤا في النانوثانية (أو واحد على مليار من الثانية) يطلق طاقة أعلى من كل الطاقة الناتجة عن جميع محطات الطاقة على الأرض على مدار 2.8 مليار سنة!!! الطاقة الصادرة عن أقوى قنبلة نووية فجرناها على الأرض (أقوى من قنبلة هيروشيما ب3300 مرة) أقل من الطاقة الناتجة عن كل ثانية في السوبرنوفا بمليار تريليون مرة أو ألف مليون مليون مليون مرة!!
سطوع إنفجار السوبرنوفا يمكنه لفترة وجيزة أن يغطي على سطوع جميع النجوم في المجرة بعشرات الأضعاف، أو بعبارة أخرى يكون أعلى من سطوع الشمس بمئات المليارات من الأضعاف.
بعد ذلك الإنفجار تتبقى فقط نواة النجمة، وهذه النواة بدورها تنضغط مرة أخرى تحت وزنها، وكذلك هنا أيضـًا تواجه واحد من مصيرين:
1. إذا كانت النواة صغيرة وجاذبيتها ضعيفة نسبيًا (ضعيفة مقارنة بالمرحلة القادمة ولكنها فاحشة القوة بأي معايير أخرى) تتحول إلى ما يسمى"نجم نيوتروني" neutron star ويُعرَف بهذا الأسم لأن في عملية إنضغاط النجم التي تحدث فيما بعد يتم ضغط البروتونات والإلكترونات معًا بفعل الجاذبية الهائلة فيتحولوا للجسيمات محايدة الشحنة المسماة النيوترونات، النيوترونات لا تنضغط بسبب توابع مبدأ فيزيائي أسمه "مبدأ إستبعاد باولي"Pauli exclusion principle (على أسم العالم الألماني Wolfgang Pauli وإستبعاد هنا تشبه "تنافر.") وكذلك هو المبدأ المسؤول عن أن العناصر الكيميائية مختلفة عن بعضها جذريًا في الشكل والخصائص والتكوين وكل شيء تقريبًا على الرغم من أنها مكونة من نفس المكونات (بروتونات + نيوترونات + إلكترونات.)
2. إذا كانت النواة التي خلفها النجم عملاقة جدًا ومتخطية لحد معين هنا تتحول لما يسمى "الثقب الأسود" black hole وهذا الشيء هو من أغرب إن لم يكن أغرب الأشياء في الكون، فهو حرفيًا عبارة عن ثقب في بنية وقماشة الكون نفسه، وكل شيء يخص الثقوب السوداء متطرف ووحشي وفاحش ومنتهك للمنطق والخيال أعلى بمليون مرة من قدرة أي مبالغات أو تصورات، الثقب الأسود ظاهرة متطرفة لدرجة أن قوانين الفيزياء المعروفة تنكسر ويبطل مفعولها بداخلها، ولتفسير ما يحدث بداخل الثقوب السوداء تحتاج تزاوج ما بين النسبية العامة وميكانيكا الكم على هيئة نظرية تسمى "نظرية كل شيء" وهي غير متواجدة الآن.
الثقب الأسود جاذبيته تفوق الوصف لدرجة أن لا شيء في الكون يستطيع الهروب منها، ولا حتى الضوء نفسه، أي شيء يمر على منطقة محيطة بها تسمى "أفق الحدث" event horizon يتم الفتك به وإبتلاعه إلى غير رجعة في باطن الثقب الأسود حتى النجوم العملاقة نفسها! وعجز الضوء عن الهروب هو السبب الرئيس في إستحالة التصوير المباشر بأي وسيلة معروفة لدينا لما يحدث بداخل الثقب الأسود، وكذلك سبب تأخر التصوير المباشر حتى للمنطقة الخارجية عقود حتى هذه اللحظة.
الثقب السوداء تصنف إلى ثقوب سوداء عادية ولها حوالي 20 ضعف كتلة الشمس، والثقوب السوداء المهولة (مثل ذلك الذي صوره العلماء) وهذه كتلتها تتراوح ما بين مليون - مليارات المرات كتلة الشمس، بعدها يصل ل40 مليار كتلة الشمس أو يفوق، وبعضها سينمو، من الإلتهام الشره للنجوم والمادة المحيطة، حتى يصل لمئات تريليونات، أو أكثر من 100,000,000,000,000 كتلة الشمس!
إذا حدث وأرتطم ثقبان أسودان ببعضهما البعض، فإن جميع الأوصاف في جميع اللغات البشرية مجتمعة تقف عاجزة بائسة في وصف نواتج هذا التفاعل، فمثلًا إتحاد الثقوب السوداء الذي أكتشفنا منه وجود موجات الجاذبية، نتج عنه فقدان كتلة 3 أضعاف الشمس (تذكر أن الكتلة المفقود من 0.6 جرام من المادة تؤدي لقنبلة هيروشيما، وتذكر أن الشمس كتلتها أكبر من الأرض ب333,000 مرة، فإذا كان فقدان 0.6 جرام يؤدي إلى قنبلة هيروشيما، فلك أن تتخيل أن فقدان مليون ضعف وزن كوكب الأرض من الكتلة، إن كان تخيل مثل هذا الشيء أصلًا ممكن!)
الطاقة الناتجة في ثانية واحدة (الثانية الفارقة التي أمتزجوا فيها) كانت أكبر من الطاقة المنبعثة من جميع النجوم في الكون (أكثر من 1,000,000,000,000,000,000,000 نجم) ب50 مرة!! وموجات الجاذبية الصادرة من الحدث (تشبه التخلخلات أو الموجات الإضطرابية الناتجة عن إلقاء حصوة في الماء) كان قوية بما يكفي أن تسافر أكثر من 1.3 مليار سنة وتقطع مسافة أكثر من 10 مليار تريليون كيلومتر لتصل هنا ونرصدها على الأرض!!
الثقوب السوداء الدوارة نفسها تدور حول نفسها بسرعة تتراوح ما بين 50 - 99% سرعة الضوء (على الرغم من كتلتها المهولة) وجاذبيتها الشديدة الطاغية تتسبب في سحب المادة تجاه الثقب الأسود أو طردها بعيدًا عنه بسرعة أكثر من 99% من سرعة الضوء وإذا أنطلقت منه للفضاء تقطع مسافات تقدر بملايين السنوات الضوئية جراء العزم الجارف الباهظ الذي أكتسبته.
ومرة أخرى نشكر العلماء على هذا الإنجاز العبقري العظيم.